الثلاثاء، 11 أبريل 2017

مرايا و أقنعة



خليفة مزضوضي
ننهض كل صباح يوم جديد للنفض غبار الكسل عن اعيننا و لنرتدي حلة النشاط و نمضي في حياتنا و لا ندري الي متي سنظل هكذا او ما سيحدث في تلك اللحظات التي نعيشها و نحن في دوامة الحياة و بين براثن تلك الدنيا و لكننا و كلما بدأت شمس يوم جديد نركض في تلك الحياة العاصفة نحو نهاية اليوم و قد لا ندري ما حدث لنا من تغيرات و هل سيكون الغد افضل ؟؟؟؟
يقف الانسان احيانا امام المرآة لبضع ثواني او دقائق و قد يتجاوز الامر عند البعض إلي ما يربو الي الساعة او يزيد محاولا الظهور بابهي منظر يسر الجميع او يلفت النظر إليه و إلي محاسنه الظاهرية من ملبس او تصفيفة شعر او شكل وجهه و لكن المرايا الحقيقة ليست ما نشاهد فيه انفسنا كصورة مجردة خالية من اهم التفاصيل و هي المشاعر و الاحاسيس بمن حولنا او ما ينبع منها تجاهنا من الاخرين …… فلو نظرنا إلي انفسنا امام المرآة و حاولنا ثبر اغوارها و الوصول إلي حقيقة انفسنا لوجدنا الصورة باهتة مشوشة في العديد من الاوقات ، فكل منا قد لا يفهم طبيعة نفسه بسهولة مهما بلغ علمه او تقدم به العمر و مهما كانت خبرته في الحياة ………. و لكن السؤال : هل ممكن ان نحسن صورنا في عقول الناس و قلوبهم كما نحاول دائما ان نحسنها في عيونهم ؟؟؟؟
احترت كثيرا في اجابة هذا السؤال رغم ان طبيعة مهنتي هي التعامل مع البشر بشتي الوانهم و طوائفهم و طبقاتهم بل استطيع ان اقول اني اتعامل مع الناس فاي اصعب ما يحسون به و هو الألم البدني و الاقسي منه الالم النفسي و غالبا ما يتوجب علي ان اتعامل مع كل شخص بلغته و طبيعته و مستواه الفكري و الاجتماعي و التعليمي. و وجدت ان الفارق بسيط بين ان نحسن صورتنا امام الناس لكي نصل الي قلوبهم و عقولهم و نعرف كيف نتعامل معهم بصورة صحيحة تتحلي بالخلق و الدين، و بين ان نتلون لكي نجاري الناس و نضفي علي انفسنا صفات ليست فينا و كأننا نرتدي اقنعة زائفة تحسن صورتنا الخارجية و لكنها تخفي خلفها اقبح صفات الشر و عي التملق و النفاق.
وهناك العديد و العديد من المواقف التي قد نقف اماماها عاجزين و نتسائل هل يجمل الانسان نفسه كمن ينظر للمرآة ليظهر احسن ما لديه ام هو يرتدي قناعا يخفي به اسوء ما لديه؟؟؟؟؟؟
تذكرت يوما قصة الاميرة و الاقزام السبعة و كيف كانت الملكة الشريرة تنظر يكل يوم في المرآة المسحورة لتسألها من اجمل امرآة في الدنيا ……… و عندما تجيب المرآة بحقيقة محردة انها ستكون اجمل واحدة في الدنيا لولا ان الاميرة اجمل منها فتستشيط الملكة غضبا و تنزع عنها قناع الجمال الزائف ليظهر ما خلفه من حقد و غيرة و شر ……. فالحقيقة تصدمها و لا تتمناها و لكن هل لكل واحد منا مرآة مسحورة تخبره عما فيه من عيوب و تسقط عنه قناعه الوهمي الذي يحاول ان يختفي خلفه كما تخبره ايضا بمزاياه و جماله الظاهري و بذلك تكون حكما عدلا به يستطيع الانسان ان يغير ما به من اخطاء و يتغير الي انقي صورة من الداخل و الخارج.
قد تكون المرآة السحرية موجودة في قصص الخيال و حواديت الاطفال فقط و لكني وجدت حقيقة انها فعلا موجود حولنا و ليست واحدة فقط بل لكل منا العديد من المرايا المسحورة التي لو نظر خلالها لوجد فيها الحل لجميع عيوبه و لوجد فيها الصدق فيما تخبره الا لو كانت تلك المرآة مكسورة او قد علاها الغبار من كثرة تركها و البعد عنها فتلفت و اصبحت صورتها مشوهة او مشوشة غير واضحة………. و لكن اين تلك المرايا ؟؟؟؟؟

ان اعظم مرآة سحرية يجب ان ينظر اليها الانسان ليري كل ما فيه من مزايا و عيوب هي عيون الاخرين ممن يحيطون به و لكن ليس الجميع صادقون فعليه ان يختار انقي الناس ممن تربطه بهم علاقة واضحة قوية تخلو من اي مصالح او رياء ليري فيها صورة حقيقة له بكل ما فيها. و اصدق مرآة يري فيها الشخص نفسه هي عيون والديه فهما اصدق الناس يخبروه بكل صدق عن حقيقة نفسه بكل ما لها و ما عليها لانهم و ببساطة يتمنون بكل حب ان يكون افضل حظا و حالا في الدنيا منهم و يريدون له الخير علي الدوام و ايضا لا يريدون مننه سوي الحب و البر و المودة و ان كان هذا حق لهم و فرضا عليه و حتي ان كان مقصرا فهم لا يكذبون عليه بل علي العكس يكونون اكثرا صدقا و خوفا عليه.
و هناك مرآة اخري يجب ان ننظر اليها دوما و يجب ايضا الا تكون كاذبة ….. فاقل شائبة فيها قد تحطمها للابد و هي مرآة الزواج فالزوج و الزوجة يجب ان يكون كل منهم مرآة صادقة للاخر و ان تكون علاقتهما مبنية علي الصدق و الاحترام و تقبل مزايا و عيوب الاخر و محاولة اصلاحها بالحب و الصدق و الاحترام و إلا سيجدا انفسهما كل منهما يرتدي قناعا زائفا امام الاخر لابد له يوما ان يسقط فينهار معه الحب و السعادة و يتحول الزواج إلي علاقة باهتة عديمة المشاعر و الاحساس يتغللها الكذب و ينمو فيها الشك و سرعان ما تشتعل فيها نيران الكره التي تحولها إلي جحيم دائم. و لهذا يجب ان ينظر كل من الزوجين إلي الاخير بعين المحب الصادق فيخبره بما يحبه فيه من خصال جميلة و ينصحه بكل حب و تقدير و احترام لمشاعره ليغير ما فيه من عيوب لكي يكن فعلا كل منهم في احسن صورة امام الاخر و امام الناس و يعيشا في حب و سعادة دائمين و لا يكون بينهما اي اقنعة زائفة تمثل تهديدا لحياتهما و اسرتهما.
المرآة الثالثة هي عيون الابن البار الذي يوجه والديه بكل ادب و حب و خضوع لهما لما فيها من اخطاء قد يوقعون فيها و ان يكون ناصحا امينا و ابنا يصونهما علي الدوام مطيعا لله فيهما و قائما علي راحتهما علي الدوام.
مرآة اخري نادرة في هذا الزمان و ان كانت لا تزال موجودة حتي و ان فقدنا الامل في وجودها و هي الصديق الصدوق الامين الذي ينصح رفيقه بكل صدق و احترام و الا يتخلي عنه ابدا مهما فعل. و ان وجدت يوما هذا الصديق فيجب عليك ان تتمسك به مهما طال الزمن فليس كل من يحاول ان بتملقك و يعظم من صورتك في عينيك هو الصديق الحق و لكن الصديق الحق هو الذي يوجهك الصواب و الحق و يقوم تصرفاتك حتي و ان اغضبك هذا و لم يكن علي هواك.
كما يوجد داخل كل منا مرآة فطرية يجب ان يعرف طريقها و هي عين الضمير الذي يراجع كل خطوة نخطوها و لا يتكاسل عن تأنيبنا باشد الوسائل ان اخطأنا و يكون بمثابة المؤشر الحساس لكل عمل نقوم به و ان يضغط علينا بكل القوة ان نصحح مسار انفسنا باستمرار و ما اعظم ان يحظي الانسان بضمير حي يقظ يراجعه علي الدوام ليكون له ضابطا للخلق الحق السليم.
اما باقي عيون الناس فمنها ما يكون مرايا صادقة و منها من يحاول ان يرتدي قناعا ليبدوا صادقا و منها ما هو كاذب و طالما نحتار كيف نميز بينهم و تكمن الحيرة في اننا لا نستطيع ان نتجاهل اراء الناس فينا و ايضا لا يجب ان ننساق وراء كل كلمة نسمعها سواء بالخير او الشر و لكن يجب ان نعمل عقولنا في تقييم الناس ممن حولنا فليس كل من يمدح منافق و ليس كل من يذم كاره و لكن نحاول ان نتحري كل رأي يقال فينا و نبحث في داخل انفسنا عن الحقيقة و ان كان ارضاء الناس غاية لا تدرك فارضاء الله عز وجل غاية نبذل لها انفسنا بكل رضا و ذلك بان نتمسك بكل ما يرضي الله و ان نحاول و ان نسير علي صراطه المستقيم و ان نراقبه في كل ما نعمل. و لكي نقوم انفسنا فعلا لابد ان نفكر مليا في كل من يظهر لنا عيوبنا لانه و ان كان ظالما لنا فعلي الاقل هو يقول ما يراه بكل صدق و بدون ان يضع قناع النفاق اما من يجاملنا او يذكر مزايانا يجب ان نبحث ورائه لما يقول ذلك و هل هو يمحدنا بما فينا ام يحاول ان يلبسنا قناعا ليس لنا لكي نري ما ليس فينا و نضل الطريق و نري كل ما فينا من ضعف قوة و كل ما فينا من عيوب مزايا و كل ما بداخلنا من شر خير, ام انه يحاول ان يرينا ما فينا من مزايا ليحسن صورتنا في اعيننا ليس إلا.
و اخيرا اتمني ان ننظر جميعا الي انفسنا في مرايا صادقة حتي و ان كانت الحقيقة صادمة و صعبة علي انفسنا لكي نتغير دائما للافضل و ان ترتقي بانفسنا علي الدوام و الا نرتدي اقنعة زائفة لانها سرعان ما تسقط محطمة كل ما فينا من جميل و لا نملك حينها حتي الدفاع عن انفسنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق