الاثنين، 17 أبريل 2017

الفساد السياسي

خليفة مزضوضي
لا عيب أن يكون للمقالة البسيطة فرضية تنطلق منها ، وانا أنطلق في مقالتي هذه من هذه الفرضية مخضعاً إياها للنقاش ، ولكن بالنسبة للحالات الخاضعة والقابلة للتطبيق على هذا الوصف التالي ، فهي من شأن القرّاء والنقاد ،وفرضيتي هي : {{ إن نمط تفكير المجتمعات بمختلف شرائحها هي المنتج الرئيسي لحكوماتها سلباً كان ذاك التفكير أم إيجابياً}}
تسعى الدول (بشكل عام) للإصلاح وتحسين الحالة التنموية والمعيشية لمواطنيها وتلافي مواطن خلل قديمة، وتسعى للنهوض الرامي إلى التقدم والتطور، وغالباً ما تكون الدول ممثلة بالقائمين بالفعل التطوري صادقة في ذلك، وإن كان حسب ظروف الدول (أيّ كانت) ومواردها وإمكاناتها، ولكن سرعان ما تأتي العقبات المتعددة الأوجه لتقف في وجهها، فتمنعها من ذلك أي تحقيق تقدم فعلي على أرض الواقع ، ولعل أهم الأسباب في ذلك طبقة المنافقين السياسيين الذين يملئون الدنيا بخطاباتهم الهادفة لتحقيق مصالحهم الشخصية من الأعلى أو أصحاب القرارات الذين يقعون فريسة كذبهم وإخداعهم ، وهنا يقع المجتمع (بشكل عام) في ورطة النفاق السياسي ، فالمنافقين السياسيين لا يختلفون عن المنافقين دينياً الذين دخلوا الدين تستراً لتحقيق مكاسب ضيقة ، وكذالك شركائهم في السياسة فهم في سبيل تحقيق طموحاتهم ومصالحهم مستعدين للعق وتقبيل حذاء صاحب القرار (أي كان في أي دولة لا على التعيين ) ، وهذا كله على حساب الصادقين من الأذكياء وأصحاب المشاريع السياسية لتطوير وارتقاء الدول .
ومن هنا كانت خطورة أحد أمرين : ضرورة مساعدة الحكومات الساعية لتطور الدول لمحاربتهم من جهة ، وكذلك خطورة هؤلاء على أمن واستقرار الدول لأنها ستتكلف فيما بعد مغبة محاسبتهم ، ولذلك كان لابد من الاسترسال والاستطراد في هذا الموضوع عبر توضيح بعض مفاصله. فالنفاق في اللغة هو إظهار الإنسان غير ما يُبطن. وسمي المنافق بهِ لأنه يجعل لنفسهِ وجهين، يُظهر أحدهما حسب الموقف الذي يواجه، ويُعرّف مفهوم النفاق بشكل عام على أنه الطبيعة الخطيرة في السلوك البشري، وهو إظهار عكس ما هو كائن داخل النفس البشرية، ومن علامات النفاق، كما قال (رسول الله) : «إذا حدّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف». فمن توفرت فيه هذه العلامات فهو منافق خالص، ومن توفرت فيه واحدة ففيه شعبة من شعب النفاق.
ومن أخطر أنواع النفاق وأكثرها مقتاً ورفضاً وأشدها تدميراً هو النفاق السياسي بكل أشكاله، ولكن أقسى وأخطر أشكال النفاق السياسي وأشده دماراً هو نفاق الرأي العام. ومن صوره السعي إلى كسب ود المجتمع بمجاملته ومداهنته على حساب الواقع والحقيقة، وبالتالي على حساب مستقبل نموّه وتقدمه. ومن أساليب المنافقين السياسيين التستر خلف بعض الأعمال المشروعة لتحقيق غاياتهم الفاسدة والإضرار بكل من حولهم.
ما هي أبرز نتائج النفاق السياسي الذي يمارسه الرأي العام؟
1 -
تدمير وإفساد العلاقات السوية في المجتمع، والدس والوقيعة.
2 -
وإذكاء الخلافات وتوسيع شقتها، واستغلالها في ضرب الوحدة الوطنية.
3 -
وزعزعة أمن واستقرار الوطن والسلم الاجتماعي.
4 -
وإشعال نيران الفتن، وإثارة النعرات بين المواطنين.
5 -
إشاعة الفساد في الأرض.
شرح لجدلية العلاقة بين الكذب كفعل إخلافي مذموم والنفاق السياسي .. ماذا يعني ذالك ؟؟
وبالمقابل فإن علاقة الكذب بالتاريخ متعددة الأوجه، ففضلاً عن أن مفهوم الكذب نفسه قد عرف تغيّراً عبر العصور، إذ أن هناك تاريخاً للكذب، لذلك فإن الشكل الذي أصبح الكذب يتخذه اليوم، جعله يتجاوز الفرد والأخلاق ليطال الجماعة والسياسة، فيعْلق بالتاريخ، والكذب السياسي لم يعد تستّراً يحجب الحقيقة، وإنما غدا قضاءً مبرماً على الواقع، وإتلافاً فعلياً لوثائقه ومستنداته الأصلية. لم يعد الكذب إخفاءً للحقيقة، وإنما صار إتلافاً لها. لم يعد مكراً تاريخياً، وإنما غدا مكراً بالتاريخ.
وقد ميّز القديس ( أوغسطين ) الكذب عن مجرد الوقوع في الغلط، وذلك بالتأكيد على القصدية في فعل الكذب، فالكذب هو الرغبة في خداع الغير، حتى وإن اقتضى الأمر في بعض الأحيان، قول الحقيقة يمكن أن يصدر عنا قول خاطئ من غير أن نكذب، لكن بإمكاننا أن نقول الحقيقة بهدف الخداع، أي الكذب، إذ ليس من الكذب أن يصدر عنا الغلط إذا ما كنا نظن إنه صواب، فليس الكذب هو القول الخاطئ، وليس هو الخطأ، يمكننا أن نكذب بقول الحقيقة. الكذب خداع قبل كل شيء، إنه حمل على الاعتقاد الخاطئ.
ما هو تأثير النفاق والكذب في المجال السياسي على المجتمع (بشكل عام) ؟؟

يمكننا أن نرصد بعض السمات التي يتسم بها مجتمعنا العربي غالباً باعتبارها سلبيات يعاني منها ، وتتبلور أبرزها بضعف حصانته الفكرية والثقافية والسياسية والأخلاقية أمام النفاق بمختلف أشكاله ومظاهره وعلى وجه الخصوص النفاق السياسي، وأمام طابور المنافقين الذي عادة ما يتنامى تعداده وتأثيره في المراحل الحاسمة والظروف الاستثنائية المعقدة التي يكون فيها المجتمع غير متزن، ومهيأ بصورة غير عادية لتقبّل ما يبثه المنافقون من دعايات كاذبة ومقولات تضليل مريبة وإشاعات لتزييف الحقائق والترويج لثقافة الحقد والكراهية وبث روح اليأس وثقافة الهزيمة، وممارسة مختلف أشكال الوقيعة والدس الرخيص وجميعها تهدف إلى تدمير عوامل الثقة، وأسس الوحدة بين أفراد المجتمع، وتسميم الأجواء، وإثارة النعرات والفتن والصراعات الداخلية. الخلاصة هي أن النفاق السياسي ناجم عن ثقافة متدنية في مجالي التثقيف الإنساني أو العقائدي الأقوى أثراً ورواجاً وللكذب فيها حضور فاعل، ومن الجدير بالملاحظة هنا إن لكل دولة مهما كانت إيديولوجيا تتبناها، ولابد في سبيل ترسيخها (باعتبارها سلاح تتدرع به لا سيما إن كانت بين فكي كماشة) من رجال مفكرين يعملون عبر وسائل فكرية ثقافية سياسية لتثبيت دعائمها فهؤلاء في الحقيقة جنود مخفيون ، ولا يدخلون في نطاق وصف المنافقين لكونهم يحمون دولهم بشكل أو بأخر ، وهنا يجب أن يتنبّه الغافلون إلى طبقة أصحاب المصالح باعتبارهم الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن وسلامة الدول ، وعلى هذا فإن محابتهم واجب قانوني وشرعي تقع أولاً وأخير على عاتق الرأي العام السلبي الدور والذي يترك هذه المهام في العادة للدول والحكومات ومن ثم يأخذ بإلقاء اللوم والعتب والاتهامات ، وعلى هذا نصل إلى نتيجة مفادها : ((إن شيوع الفساد في دولة معينة أصله يكمن في سلبية الرأي العام أولاً ، واستغلال وخداع طبقة المستفيدين على اختلاف مستوياتهم وأشكالهم ثانياً ، وضعف المنظومة العقابية القانونية القضائية ثالثاً وأخيرا )).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق