الاثنين، 17 أبريل 2017

استحضار ذكرى المسيرة الخضراء على ضوء 40 سنة من التنمية في الصحراء


خليفة مزضوضي
في 6 نونبر 1975 انطلقت حشود 350 ألف متطوعة و متطوع من كل شرائح الشعب المغربي في مسيرة سلمية بنظام و انتظام، صوب الأقاليم الجنوبية الصحراوية المحتلة لتحريرها من طرف الاستعمار الإسباني آنذاك صلة للرحم ونصرة لإخوانهم في الصحراء المغربية، حاملين القرآن الكريم والأعلام الوطنية لاسترجاع حقهم الثابت المسلوب، وهو ما جسد بعد النظر والحكمة والتبصر، و العبقرية السياسية ، للمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، في تلاحم تام مع شعبه، فتحقق النصر واسترجع المغرب أقاليمه الجنوبية التي كانت ترضخ تحت الاستعمار الإسباني، وارتفع بذلك العلم الوطني ورايته خفاقة في سماء العيون والساقية الحمراء وتلاها في 14 غشت 1979 استرجاع إقليم وادي الذهب.
إذا كانت ذكرى المسيرة الخضراء تجسد التأكيد المتجدد للشعب المغربي قاطبة من طنجة إلى لكويرة، على التشبث بالوحدة الترابية والوطنية للمملكة, فهي مناسبة يحتفي بها سنوياً لإبراز المكتسبات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديمقراطية والحقوقية، التي تحققت بالمغرب عامة و بالأقاليم الجنوبية الصحراوية خاصة منذ استرجاعها إلى حظيرة الوطن الأم.
وفي هذا السياق لابد من التذكير، على المستوى المتدني الذي كانت تعرفه الأقاليم الصحراوية إبان استرجاعها عام 1975 إن على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي، أو فيما يتعلق بقطاع الخدمات والتجهيزات والبنية التحتية، الشىء الذي جعل من الضروري أن تبدل مجهودات مالية ضخمة من طرف الدولة المغربية، لتحسين أوضاع المواطنين الصحراويين ويتحقق اندماجهم في كل المجالات إسوة بإخوانهم في شمال المملكة، وتم بذلك الانكباب على التسريع بوضع إستراتيجية تنمية استثنائية بتدخل شركاء وفاعلين في الحقل التنموي، في مؤسسات عمومية وشبه عمومية وإدارات ومؤسسات ومقاولات والقطاع الخاص، وهو ما ساهم في توفير البنية التحتية للطرقات والمرافق والموانئ والسكن والمؤهلات المتعلقة بقطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة والاتصالات وخدمات القرب.
وبفضل مؤازرة الشعب المغربي وتضحيته في سبيل العيش الكريم لإخوته بالجنوب ودفاعه المستميت على القضية الوطنية الأولى ووحدتها الترابية، فقد أضحت مؤشرات التنمية في الأقاليم الجنوبية في ميادين الصحة والتربية ومحاربة الفقر والبنيات التحتية وتحسين مجال الخدمات، هي الأعلى مقارنة مع مثيلاتها في الأقاليم الشمالية, وذلك وفق تقارير اقتصادية واجتماعية لمراكز دولية للدراسات، ومنظمات متخصصة في مجال إعداد التقارير المتعلقة بمؤشرات التنمية، فمثلا مجموعة التفكير الدولية (أكسفورد بيزنس ) أكدت أن المبادارات المتعددة التى أتخدت لتعزيز التنمية الجهوية في شمال وجنوب المملكة المغربية، أضفت دينامية على عدة مشاريع بالأقاليم الجنوبية بهدف التصدي للمعيقات التي تحد من النمو الاقتصادي، وتحسين شروط عيش الساكنة المحلية مركزة على سياسة أهمية اللاتمركز، لاسيما في مجال التدبير الإقتصادي، وهي مقاربة تم اعتمادها على الصعيد الوطني ساعدت على تحقيق تنمية اقتصادية ملموسة واندماج بشكل كامل ماديا وسياسيا داخل النسيج الاقتصادي.وتوقف التقرير عند عمل وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والإجتماعية لعمالات وأقاليم الجنوب التي تتوخي جعل هذه الأقاليم قطبا للإستتمار ونموذجا للتنمية الجهوية المندمجة، إطاره يهدف إلى تعبئة الموارد وتوفير فضاء ملائم للتعامل من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية متماسكة في المنطقة، وبعد استعراضهم للمشاريع التي أطلقتها الدولة في عدة مدن وجهات بالصحراء المغربية، أكد التقرير أنها حققت تقدما مهما منذ إحداثها.
وفي هذا المضمار أوضحت مجموعة التفكير أن الأقاليم الجنوبية كانت خلال 2006 من بين المناطق المغربية الأفضل تصنيفا حسب مؤشرات التنمية البشرية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مضيفا أنه تم إعلان مدينة العيون سنة 2007 مدينة بدون صفيح لتليها مدن جنوبية أخرى، وهو ما من شأنه أن يجعل الأقاليم الجنوبية تدخل ضمن قائمة المستثمرين, وأن تصبح أحد النماذج الأكثر دينامية والأكثر أهمية للتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بفضل تحديد الدولة المغربية لأهداف طموحة لتحسين عائدات الاستثمار لاسيما في قطاع السياحة التى تجمع بين رفاهية العالم الحديث, وأصالة الصحراء, والخصوصيات الثقافية، التى تشكل مزايا اقتصادية و حافزا للنمو في مختلف القطاعات، علاو ة على التنمية البشرية و الصيد البحري الذي يشكل وسيلة مهمة لتعزيز الأسس التنموية الاقتصادية في إطار المحفزات الأساسية التي تزخر بها المنطقة على مستوى نسيجها الاجتماعي و الثقافي، و هو ما جعل الدولة تقوم بمجهودات جبارة لتعزيز التربية و التكوين للنهوض بالموارد البشرية المؤهلة، الشيء الذي ساهم في تحقيق مؤشرات مرتفعة في التنمية البشرية رجعت بالفضل على الإنتاج الوطني و حققت نسبا مهمة في التمدرس و الولوج الى الخدمات الأساسية، وهو ما بوأ الأقاليم الجنوبية مكانة متقدمة في سلم التنمية البشرية بفضل الإهتمام الكبير الذي حضيت به الأقاليم الجنوبية من طرف الدولة المغربية ،حسب تقرير حول التنمية البشرية الذي أنجزه امنويل ديريكس دروكا ستيرلي الممثل السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالمغرب و الذي أكد أن الأقاليم الجنوبية عرفت تطورا مهما مقارنة مع باقي جهات المملكة .وحققت مستوى جد متقدم في تعميم التمدرس
و أداء النظام التربوي و أيضا على مستوى تطور النظام الصحي ،حيث تتوفر المنطقة عموما على شروط ولوج إلى الخدمات الصحية أكثر ما هو مسجل على الصعيد الوطني, كما تشكل أنشطة الصيد البحري و الصناعة التقليدية و السياحة و مناجم الفوسفاط و تربية الإبل أهم القطاعات الاقتصادية الواعدة بالأقاليم، هده المعطيات , كما يبرز الممثل الأممي السابق المذكور, تؤكد نجاح الجهات الجنوبية في المجال الإقتصادي, ويترجم ذلك بمعدل ناتج داخلي خام للفرد المرتفع عن المتوسط الوطني خصوصا في جهتي الداخلة وادي الذهب والعيون-الساقية الحمراء, ويلاحظ التقرير أن نسبة ربط الأسر بالماء الصالح للشرب والكهرباء في هده الأقاليم يفوق المعدل المسجل وطنينا . وخلص التقرير بوجود إرادة راسخة لدى السلطات العمومية لوضع سياسات عمومية فعالة , مما سيؤثر على فعاليات مسلسل التنمية البشرية , وعلى ظروف عيش السكان في كل المناطق الجنوبية .
هذه نماذج من تقارير جهات دولية التي تثمن المجهودات التنموية الذي بدلت في الصحراء المغربية على مدى 40 سنة من استرجاعها .أما من يزور اليوم هده الأقاليم فيقف عن كثب بالحقيقة والملموس عن مدى التقدم والتطور في كل المجلات كما تؤكد على ذلك مؤشرات التنمية البشرية حول البنيات التحتية والخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين في التعليم و الصحة وتحسين الخدمات والماء الصالح للشرب وتقلص مستويات البطالة والفقر .
و الجدير بالذكر أن مكتسبات المنجزات التنموية بالأقاليم الجنوبية ستتعزز أكثر عن طريق النموذج التنموي الجديد بالأقاليم الجنوبية الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي , وهو النموذج الإصلاحي لفائدة الساكنة المحلية , وبتدبير منها ,الذي شخص النواقص و الإختلالات, وحصًن المكتسبات المشروعة , واقترح البدائل الواقعية القابلة للتطبيق لتشخيص موضوعي لتطور الوضعية التنموية ووضعية حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية، كما أبز ذلك السيد نزار بركة رئيس المجلس الذي أكد على انه انطلاقا من الخصوصيات ومؤهلات المنطقة ,ستكون جسرا للتبادل والنمو المشترك مع دول الجوار وبوابة نحو الاندماج الإقتصادي داخل الفضاء الأفريقي والأطلسي، لاسيما في مجلات التجارة واللوجستيك والطاقات المتجددة والخدمات الأساسية من تعليم وصحة ,وهو ما سيساعد على خلق الثروات وإنعاش التشغيل خاصة لفائدة الشباب والنساء .
و تنبغي الإشارة في هذا السياق أن تفعيل الجهوية المتقدمة ،الرهان الذي تحقق من خلال انتخابات 4 شثنبر 2015، والتي عرفت مشاركة مكثفة لساكنة الأقاليم الجنوبية، تشكل دعامة أساسية نحو تحقيق المزيد من المكتسبات التنموية، هده الاستحقاقات التى قال فيها صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله حينما ترأس إفتتاح الدورة الأولى من السنة التشرعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة : (سجلنا,ببالغ الإعتزاز ،المشاركة المكثفة لسكان أقاليمنا الجنوبية في الانتخابات الأخيرة وهو دليل ديمقراطي آخر على تشبث أبناء الصحراء بالوحدة الترابية وبالنظام السياسي لبلادهم وحرصهم على الانخراط الفعال في المؤسسات الوطنية) .

كما أن الجهوية المتقدمة ستؤمن فرصة سانحة لتدبيرساكنة الصحراء المغرية لشؤونهم المحلية والتي ستكون بحول الله رافعة أساسية للتنمية المحلية, وهذا برهان آخر للشعب المغربي عامة, ولساكنة الأقاليم الجنوبية خاصة, يقدًم للعالم في ظل دستور يضمن انخراط جميع المغاربة في كل الخيارات والتحديات والرهانات التي تحصن وتصون الثوابت والمكتسبات والوحدة الترابية والوطنية للمملكة بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وفي سياق إحياء روح المسيرة الخضراء وتثمين المكتسبات التنموية التي تحققت بأقاليمنا الجنوبية على مدى أربعة عقود، لابد من استحضار الرهانان التي تحيط بقضيتنا الأولى, والتي تستوجب التمسك بقيم المواطنة والتعبئة الشاملة واليقظة والاصطفاف وراء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله لصد المناورات الدنيئة لأعداء وحدتنا الترابية، والمضي قدما بالانخراط في الأوراش التنموية.
وفي هدا الإطار، نناشد المنتظم الدولي بالعمل على التسريع بالتسوية النهائية للنزاع الإقليمي المصطنع حول مغربية الصحراء، ليتمكن إخوتنا المحاصرون بمخيمات تنذوف لما يزيد عن أربعة عقود من لم شملهم وعودتهم الى أرض الوطن، ولعل هذا الحل يكمن أساسا في مبادرة الحكم الذاتي الجريئة والجادة، التي لقيت ترحيبا واسعا من طرف مختلف العواصم العالمية، وداخل مجلس الأمن نفسه الذي وصفها بالجدية وذي المصداقية في كل قراراته. كما تناشد السلطات الجزائرية بأن تعود إلى جادة الصواب وتقبل بفضيلة الحوار الهادئ والصريح، لحل هذا النزاع المفتعل خدمة للاندماج المغاربي, والروابط المصيرية المشتركة الذي تجمع بين الشعبين الشقيقين، وتجنيب المنطقة لكل ما من شأنه أن يهدد استقرارها الأمني والسلم العالمي، بغية التكامل والتعاون المغاربي والإفريقي و الأورومتوسطي، ومحاربة كل أشكال التوترات قصد تحقيق التنمية الشاملة للأقطار المغاربة الخمس، عبر اتحاد مغاربي قوي ومندمج, وكذا في إطار التعاون جنوب جنوب, لاسيما أن عالمنا اليوم يواجه تحديات ومخاطر كبرى تتمثل في النزاعات وبؤر التوثر والأزمات المتعلقة بالاقتصاد والماء والبيئة وآفة الفقر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق