الأربعاء، 29 مارس 2017

مباديء الحرية ……. وحرية المباديء

خليفة مزضوضي
انا حر ….. انا حرة….. كلمات تبدو بسيطة و سهلة النطق و لكن متي تقال و كيف تقال و عن ماذا تعبر ذلك ما يجب ان نعرف و نفهم.
هناك فارق شاسع بين الحرية المسئولة و التحرر الحقيقي من قيود الجهل و العادات السيئة و المعتقدات الشاذة و بين الحرية المطلقة و التحرر الزائف الذي تنادي به طوائف و جماعات ضالة في مجتمعنا الاسلامي و العربي المعاصر. فعندما يقول احدهم انا حر فبذلك يحاول ان يهرب من الذين يسألونه عن مسئوليته تجاه تلك الحرية و يحاول ان يتملص منهم بتلك الكلمة التي تحول الحرية الي شيء كريه لا يعبر سوي عن الجهل و العشوائية. فلكل شيء مباديء و حدود و قواعد تجعل منه ميزة يتمتع بها الجميع علي حد سواء و بنفس القدر و لكن لكي ينفرد شخص ما بها او يحاول تمييز نفسه عن الاخرين بها و لا يملك سوي كلمة انا حر للرد فذلك يسمي العشوائية و ليس الحرية و تحول المجتمع المنظم المتحضر الي مجتمع بربري لا قواعد فيه و لا التزام فكل شخص يفعل كما يحلو له وقتما يشاء.
و يوجد في مجتمعنا المصري و العربي امثلة كتير لمثل هذا السلوك الغير حضاري يتكرر يوميا و علي نحو جعل منا مجتمع متأخر رغم ادعاء الكثيرون غير ذلك و محاولاتهم الجاهدة لنشر تلك المشاهد العشوائية التي قد تتجاوز حدود الاخلاق و الدين و العقل بدعوي حماية الحريات الشخصية.
و من ابرز تلك الامثلة الفن أو ما يدعون انه فن …. فبالامس الغير بعيد كان المطربون و الفنانون يبحثون جاهدون في تراثنا العربي عن قصائد او قصص او روايات تحمل المعني و الكلمة و الحكمة لكل من يشاهدها و يتبارون لابراز قدراتهم في تصويرها وجعل المشاهدون يقبلون عليها من كافة الفئات المجتمعية. ولم يكن هذا متاح الا من خلال وسائل بسيطة و لكنها تحتاج الي جهد مضني لانها تصل الي الجمهور مباشرة بدون اي وساطة او تعديل اما عن طريق المسرح او الراديو او السينما و كلنا نتذكر العديد و العديد من الامثلة علي ذلك فحفلات ام كلثوم كان يلتف حول الراديو ملايين المستمعين حول الراديو في ربوع العالم خاصة العالم العربي في الخميس الاول من كل شهر ليستمعوا الي قصيدة تغنيها و ايضا فيلم مثل الناصر صلاح الدين و فيلم واسلاماه وما يجسدون من تاريخ للامة و غيرهم كثيرون ممكن يحملون قصصا روائية او درامية مثل اليتيمتان و بالوالدين احسانا و القاهرة 30 و المئات مثل تلك القصص. فذلك النوع من الفن الراقي هو ما نفتقده و ان كان به بعض العيوب التي ممكن تجاوزها او تلافيها ولكنه يحمل معاني اخلاقيه و انسانيه راقية نفتقر اليها الان……. اما في زمانا المعاصر فواحسرتاه !!!
اصبح الفن في الحاضر مهنة من لامهنة له و اصبحت الاغاني عبارة عن ضوضاء مزعجة لا تحمل كلمة و لا لحناً بل اصبح الجميع يغني و اصبح الجميع يؤلف ويلحن و كأنها امطار فاسدة من كلمات خلت من المعني و الهدف و كلها افساد للذوق العام و الاخلاق واما التلفزيون و المسرح و السينما و الفضائيات فمعظمها يبث لنا و لاولادنا سموما لعقولنا و افكارنا بدعوي الحرية و التحرر… فمشاهد العري و الرقص و الالفاظ الخارجة اصبحت هي السائدة و المشاهد الجنسية و التلميحات التي تحويها بدعوي الثقافة و هي لا تحمل الا الرزيلة و تشجيعها هي ما يشاهد في العديد من تلك القنوات التي تدخل كل مكان في مجتمعنا. و كل ما يقوله القائمون علي ذلك انهم احرار فيما يقدمون و ان لهم مطلق الحرية في التعبير عن انفسهم بأي طريقة و الناس احرار ان ارادوا مشاهدتهم فهم ليسوا قييمين علي احد. فهم احرار في التعبير و الناس احرار فيما يشاهدون ……. فهل حرية الفن تعطي هؤلاء الحق في الافساد و التلويث لكل القيم الاخلاقية بدون ضوابط ام ان ما يفعلونه هو فكر خارجي هدفه الاساسي تدمير الاخلاق و القيم و ابعاد الشباب عن الدين و المباديء…… بكل بساطة هذا تحرر فاسد يخلو من القيم و حرية عشوائية لا يقبلها اي انسان.
المثال الاخر في حرية اختيار ما نلبس و ما نفعل امام المجتمع فمن يسير في اي شارع يري الكثير من الشباب و البنات من مختلف الاعمار و الطبقات يرتدون ملابس غير لائقة علي الاطلاق بمجتمعنا و عاداتنا فالشباب يرتدون ازياء لا توحي برجولتهم فمنها الضيق او الفضفاض او القصير و من يزدان برسومات و كلمات و عبارات خارجة بل منها الممزق علي نحو غريب و يعتبرون هذا من الحرية في السلوك بل علي احدث الموضوات العالمية و اما عن الازياء النسائية فمنها ما يكشف اكثر مما يستر و الضيق الذي يصف تفاصيل الجسد بلا حياء و كأنها تسير داخل غرفتها و لا تراعي مشاعر الناس. اما عن الحوار و اللغة فحدث ولا حرج فاصبحت لغة الشباب تائية تماما عن اللغة التي نعرفها و دخلت علينا الفاظ و عبارات غريبة من لغات متعددة شوهت اللغة واضاعت معالمها و ابسط ما يقولون ؟؟؟؟؟ انا حر البس كيفما اريد.
فهل من الحرية عدم مراعاة الاخلاق و الدين في كل تصرفاتنا و ملابسنا و ان نراعي الزوق العام في كل شيء ام ان التحرر يكون بالفوضي في كل شيء حتي في الاخلاق؟؟؟
و مثال اخر اراه هو حرية التعبير عن الرأي فالكل يتكلم و الكل يدلي بأراءه العشوائية في كل المجالات و لا احد يقول لا اعلم او ليس عندي فكرة عن هذا فكثر الحديث عن كل شيء و اصبح الكلام سهلا و بلا معني بل علي العكس فقد ضاعت الاراء البنائة و الجادة وسط هذا السيل من الاراء العشوائية و نجد الكثير من القنوات الفضائية تستضيف اناس لا علاقة لهم بأي شيء يتحدثون في الدين و العلم و المجتمع دون ان يكونوا مؤهلين لذلك وقد لا يعرفون ان ارائهم قد تمثل الكثير من المشاكل و الاساءة للمجتمع بأسره……… فهل من الحرية ان تكلم بما لا نعلم او نعرف في حين يصمت العلماء عن ابداء رأيهم.
الحرية مسئولية لها حدود هي حريات الاخرين و ليست عشوائية و لكي نتحرر من قيود الجهل و العادات السيئة يجب ان نحدد حرياتنا بما هو مفيد لنا و الا تمس حريتنا الشخصية المباديء و القيم و الاخلاق و الدين ……. فأنا حر ما دمت احترم حرية الاخرين و ما دمت اعرف مباديء الحرية و اقوم عليها و لكني لست حرا اذا خرجت بمبادئ متحررة من كل شيء لادمر نفسي ومجتمعي ……… فكلنا يجب ان نحترم ونقدر مباديء الحرية العامة و الخاصة و لكننا ضد حرية المباديء الفاسدة او التي دخلت علينا من ثقافات اخري لا تعرف دينا او خلقا او قيما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق