الاثنين، 16 أكتوبر 2023

كيف حارب القرآن الكريم الفساد بأوجهه المختلفة؟


 خليفة مزضوضي من مراكش

أيها الفاسد عش حياتك و لا تظلم ،ويل لمن أطفأ بسمة أخيه ....

كيف حارب القرآن الكريم الفساد بأوجهه المختلفة؟

أودع الله سبحانه وتعالى في الإنسان جملة من الشهوات والغرائز والمشاعر والأحاسيس، ليعيش المرء مستمتعا بحياته وأحواله، دون الإضرار بغيره من البشرِ، ولذلك لم يُترك له حرية التصرف وإطلاق العنان للشهوة والغريزة بل ضبطها الشارع وقيّدها وفق منظومة من الشرائع والأحكام التي تربّي النفس وتزكّيها وتبعدها عن الطمع والجشع والخوض في تجارب حيوانية من شأنها أن ترسخ مفهوم القوّة والغطرسة، وتقضي على كل قيمة عالية ومبدأ سامٍ، ويعترف الإسلام بالشهوة ولكنه يضبطها، ويعترف بالغريزة ولكنه يقيّدها لأن إشباعها يتقارب مع مفهوم الحيوان وتقييدها وضبطها يتقارب مع مفهوم الإنسان، يقول الحق تبارك وتعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا".


ورغم كل التدابير الشرعية والقانونية التي تجرّم الفساد بكل أنواعه لأنه خلق ذميم يساهم في إحداث خلل في التركيبة السكانية من حيث الفقر والغنى، ويشجع على انتشار الجريمة بكافة أوجهها من سرقة واعتداءات واغتصابات وزِنًا وعلاقات محرّمة شرعا وقانونا، إلا أن الناس كالأمواج ترتفع أحيانا وتهدأ أحيانا أخرى، ترتفع عند الحاجة والطمع والجشع وتنخفض عند إحياء الوازع الديني والضمير المهني والنفس اللوامة التي أقسم بها الله عزّ وجل في سورة القيامة.


 


وإذا رجعنا إلى الكتاب العزيز سنجد كلمة فساد تكرّرت كثيرا وبأوجه متعددة تبيّن محاربة المولى عز وجل الشديدة لهذا النوع من الصفات من ذلك مثلا قوله تعالى: "وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" وقول الحق تبارك وتعالى: "قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِين"، وقوله أيضا: "وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ".


"

قد يستمتع الراشي والمرتشي بالرشوة، ويتلذذ العاصي بالمعصية، وينتشي الظالم بما يقوم به من قهر للآخرين وحرمان من الحقوق وتعدٍّ على الممتلكات ولكنه لا يدري ما يخبّئه له القدر

"

كلها آيات بيّنات تحث الناس على اجتناب هذا المنكر، سواء في القول أو الفعل، فكل قول فيه ضرر للآخر فسادٌ، وكل فعل فيه اعتداء على الآخر فسادٌ وإفسادٌ، لذلك حاربه الإسلام محاربة شديدة وتوعّد من يفعل ذلك بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة عندما قال سبحانه وتعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" وكل الآيات التي تذكّر الفساد تكون بين نهي وتذكير، نهْيٍ عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة في حق الدولة والمواطن، وتذكيرٍ بأحوال الأمم السابقة التي فسدت فكان مآلها السقوط والاندثار والعذاب الأليم، ففي النهي يقول المولى عز وجل: "وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ" وفي التذكير يقول الحق تبارك وتعالى: "فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ".


والفساد ملة واحد -إن صح التعبير-، فليس هناك فساد محظور وآخر محبوب، وليس هناك فساد ممنوع منعًا باتاً، وآخر باتَ ضرورة لتمرير مصالح معينة، لأن الفساد معاملة لا أخلاقية تربط النتيجة بالمصلحة الشخصية فوق كل اعتبار، واستجابة للشهوة والغريزة فوق كل حساب، ولأنه ينخر المجتمعات من الداخل ويصيبها بالشلل اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا، ربما لا تظهر آثاره بسرعة، وقد يستمتع الراشي والمرتشي بالرشوة، ويتلذذ العاصي بالمعصية، وينتشي الظالم بما يقوم به من قهر للآخرين وحرمان من الحقوق وتعدٍّ على الممتلكات ولكنه لا يدري ما يخبّئه له القدر، وما يبتليه الله المنتقم، وما يحصل له في قادم الأيام كما حصل لبقية الأمم، والقرآن كتاب يذكّر الناس بأن لا يقعوا في الفخ كما وقع سابق.،.. ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق