الجمعة، 10 نوفمبر 2023

الخابية “؛ من العادات الجميلة التي كانت سائدة لتأمين المياه للعطش على الطرقات بمراكش


خليفة مزضوضي مدير أكاديمية الأنطاكي الدولية الخاصة للبحث والتدريب والابتكار والتنمية وتنميةالقدرات….!

قديما كانت الأسر المراكشية و المغربية عموما تحفظ الماء في آنية من طين يطلق عليها اسم ” الخابية ” تضع فيها الماء ليبرد ويحافظ على نقائه وصفائه، يوضع عليها غطاء خشبي له مقبض وحجمها كبير يستوعب عدة لترات من المياه، يشربونه بكاس طيني مطلي بالقطران ذو مقبض يدوي يعطي الماء البارد مذاق طيب ومنعش، أما “البرادة “(الجرة) فنفس النموذج وبنفس الغاية ولكن بشكل مصغر شبه بيضوى أجوف ، فكلنا يتذكر هذه الآنية الفخارية ما زالت صامدة إلى اليوم، وذكرياتنا معها أيام زمان جميلة، كنا نستخدمها في مراكش لتبريد ماء الشرب قبل عصر الثلاجات وحتى بعد ظهورها، ولا يزال في البيوت المغربية من هو محافظ على هذا التراث إلى اليوم وآخرون عادوا لاستخدامها بعد طول قطيعة وذلك للنكهة التي يستشعرونها حين شرب الماء منها…

لازلت أتذكر “خوابي” أحياء مراكش القديمة وسويقاته من تصغير لكلمة سوق سنوات الستينات والسبعينات وأيضا أسواقه المتفرعة من سوق السمارين وساحة جامع الفنا في فصل الصيف المركونة بالزوايا والأركان الظليلة الرطبة بجذوع وسيقان الأشجار وفي الممرات الضيقة بين الأزقة وتسمى الصابة، تروي كل من هو عطشان وما أكثرهم في هذا الفصل القائظ، حيث لا يخلوا زقاق حومة أو سويقتها من خابية ماء وكنا ونحن أطفال كلما أفرغت ” الخابية ” من مائها إلا ونسارع بمنتهى البراءة لملئها من خلال حمل الماء بواسطة سطل من سقاية الحومة ، فرحم الله أيام زمان، مرت الأيام وتغيرت، حب وتوادد بين الجميع، سكان كل حي كانوا أسرة واحدة، كان أي منزل ندخله هو منزلنا، كانت كل البيوت مفتوحة لنا، ندخلها ونأكل ونشرب من خابيته أو برادته، لم يكن هناك حنفيات داخل البيوت ثم نتابع لعبنا ولا وسائل تسلية غير” البينو” و”السركوس” “والجانطة” والكرة المصنوعة من الجوارب التي انقرضت وغيرها الكثير…

لقد شكلت ” الخابية ” و “البرادة ” المخصصين لحفظ الماء وتبريده جزءا من تراث المراكشيين و المغاربة قاطبة منذ آلاف السنين ومكانة بارزة عند كل الأسر حتى إن الكثير من الناس مازالوا يحافظون عليها إما للزينة أو لتخزين بعض المواد كزيت الزيتون والعسل أو لترقيد الزيتون إلى غير ذلك، وإذا كان بعض الناس قد تناقص استخدامهم لها فان البعض الأخر يستخدمها ويفضلها على الآلات الحديثة في تصفية الماء وتبريده وذلك لخصوصية طعم الماء فيها…

توضع ” الخابية ” و “البرادة ” في مكان ظليل غير معرض للشمس بعد ملئها بالماء وطلي جوانبها الداخلية بالقطران تحت النوافذ، وفي مجرى الهواء التي تمر من فوق الخوابي المشبعة بالرطوبة مما يؤدي إلى تبريد الماء وأيضا تبريد التيارات الهوائية وتوزيعها داخل البيوت والغرف، وبالتالي حدوث عملية تكييف طبيعية، ومن العادات الجميلة والمحبذة التي كانت سائدة في مراكش تأمين المياه لعابري السبيل على الطرقات العامة من خلال خابية فخارية كانت تملأ بالماء النظيف البارد وتوضع على الدروب والطرقات العامة بقصد إرواء ظمأ العطشى في أيام الصيف الشديدة الحرارة وقد كانت هذه الخابية تحاط من جوانبها بقماش الخيش لتبريد الماء وحمايتها وكثيرا ما كانت تغطى بجذوع وأغصان الأشجار لدرء أشعة الشمس عنها والمحافظة على الخابية من الكسر وكانت توضع فوق ” الخابية ” المليئة بالماء البارد “غراف” طيني مطلي القطران وقديماً كان الناس يضعون هذه الخابية سبيلاً لعابري الطرقات لطلب الأجر والثواب من الله والدعاء للموتى بالرحمة والمغفرة لهم ، وللأسف الشديد هذه العادة الحسنة في طريقها للزوال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق