خليفة مزضوضي مدير أكاديمية الأنطاكي الدولية الخاصة للبحث والتدريب والابتكار والتنمية وتنميةالقدرات….!!!
يأجوج ومأجوج يقصد بهم شعب تاريخي ورد ذكره في التوراة والإنجيل والقران في سياقات مختلفة ، في سياق التوراة ورد ذكرهم في سفر الحزقيال باعتبارهم شعبا محاربا على عهد السبي البابلي
حيث كانوا يهاجمون بني اسرائيل ويسلبون أموالهم وزرعهم وبهائمهم بل ويسرقون أولادهم ونسائهم ويستعبدون منهم من استطاعوا من رجالهم ، فكانت نبوءة حزقيال تتوقع لهم مصيرا سيئا
يهلكون به على جبال يهودية وتاكلهم سباعها في مأدبة الاهية تدعى اليها الوحوش الكاسرة والطيور الجارحة حتى تشبع من لحمهم ومن دمهم الى حد السكر ويدفنون في جبال اليهودية ويبقى اليهود يوقدون من أسلحتهم سبعة اشهر
اما في الإنجيل فيأتي الحديث عنهم في رؤيا يوحنا الذي يربطهم بنهاية العالم حيث يأتون مع المسيح الدجال لمحاربة المسيح وهناك تحدث المعركة الفاصلة بين محوري الخير والشر وينتهي العالم بانتصار الخير وحكم السيد المسيح في اخر الزمن
اما التلاوة القرانية للقصة نفسها فجاءت في سياق تاريخي يتحدث عن الإمبراطور ذو القرنين الذي حكم الشرق والغرب ووصل الى بين السدين حيث وجد قوما وقد أرهقتهم شعب يأجوج ومأجوج الذي كان يهاجمهم في كل ان وحين
فاتوا الى ذي القرنين وطلبوا منه ان يفصل بينهم بسد فأجابهم الى ذلك وتعاون معهم في بناء السد الذي لم يستطع احد ان يظهره ولا ان ينقبه
لكن الثقافة الاسلامية الوارد الكثير منه في الأحاديث أعادت الى القصة كثيرا من ابعادها اللاتاريخية فجعلت يأجوج ومأجوج واحدة من أشراط الساعة التي لابد من مجيئها قبل نهاية العالم
مع ما في ذلك من أساطير مرافقة تتعلق بطبيعة هذا الشعب الذي يلتقم الأشجار والأحجار ويشرب البحيرات والأنهار ويحفر سدا من الليل الى ما قبل طلوع النهار فيعود كما كان اول مرة طيلة العصور بسبب عدم ذكر كلمة سر والتي هي انشاء الله
الحقبة الزمنية تتحدد في أسفار العهد القديم من خلال نبوءة حزقيال الذي كان من بين المسبيين اي بعد سقوط المملكة السليمانية وتعرض بني اسرائيل للسبي وتشتتهم في البلاد
وذلك انما كان بعد الألف الاولى بعد الميلاد وقبل المائة السادسة قبل الميلاد وهو ما يؤكده النص القرائني الذي يتحدث عن قصة ذو القرنين عما قبل الاسلام بزمن طويل اما رؤيا يوحنا والرواية الاسلامية فقد نقلت الامر مما كان قبل المسيحية الى اخبار اخر الزمان وهو يوم القيامة
الحيز الجغرافي للقصة
ظهرت نظريات كثيرة تتحدث عن يأجوج ومأجوج وموقع إقامتهم بين اتجاهين رئيسيين احدهما الاتجاه المسيحي والغربي عموما الذي يجعلهم في الجهات الشمالية من اسيا أوروبا
بناء على كونهم سيأتون من الشمال حسب التوراتي ولما كان الغربيون قد حسموا موقع مملكة اسرائيل في فلسطين فانهم حددوا موقع يأجوج ومأجوج في شمالها اي تركيا وما فوق في شمال اوربا وآسيا
وهناك اتجاه ثاني ويمثله المسلمون الذين جعلوهم في الشرق بناء على ان الفتن انما تاتي من الشرق ، التتار والمغول الصين روسيا شرق اسيا، واستعانوا على ذلك بوصف النصوص المتحدثة عن الغزاة الشرقيين خصوصا من المغول والتثار
والواقع ان المجال الطبيعي للشعب التاريخي كوك وماكوك كما حدثه الكتاب المقدس والقران انما هو وسط افريقيا حيث الساحل والصحراء وهو يوجد فعلا شمال ممالك يهودا التاريخية الموجودة كثير من اثارها الاجتماعية والأنثروبولوجيا واللغوية في بلاد غرب افريقيا من نيجريا الى سيراليون وقد ورد تسميتهم في سفر حزقيال بأبناء ماشك وتوبال والمقصود بهم شعب التوماشك والتي تعني ماشك مع التعريف الامازيغي وتوبال التي منها تومبوكتو وكاو والتي هي كوك كما سمها الغربيون كاكو وسماها العرب كوكو وهي على نهر النيجر فيما يعرف الان بمالي وتوماشك هي لغة الطوارق الموجودين في صحراء مالي والنيجر ، وقد أكد القران ذلك من خلال حديثه عن معدن الحديد وزبر الحديد التي تبين ان سكان المنطقة لهم معدن الحديد ويعرفون صناعته وتذويبه ووضعه في زبر القوالب قطع وهي المادة التي تشتهر بها منطقة النيجر ومالي الى السنغال وكثير من ممالك المنطقة انما أقامها الحدادين ومنهم امبراطورية مالي كما تحدث القران المسار الأفقي للطريق من الشرق الى الغرب ومن الشرق الى الغرب وهو الطريق السيار في الصحراء الكبرى بالنسبة للتجارة الدولية والتي يلعب فيها الجمل والقوافل الدور الأساسي
الصورة النمطية التي صورها الكتاب المقدس عن يأجوج ومأجوج كسفير حزقيال باعتبارهم شعبا يعتدي على شعب بني اسرائيل ويقوم بسلبهم ونهبهم وسبيهم واتخاذهم غنيمة
والقران تحدث عنهم بقريب من هذا الاعتبار بكونهم مفسدين في الارض وهو تعبير يضم كل ما سبق لكن رئيسا يوحنا المسيحية والروايات الاسلامية المتأثرة بها تحدثت عن عقوبتهم في الآخرة في ما سمي أشراط الساعة بيدي السيد المسيح وجيشه
أسطرة قصة يأجوج ومأجوج كأسطورة التاريخ تاتي من المبالغات والفهم الخاطئ للاستعارة التي كثيرا ما تقرا قارة حرفية ومن ذلك في حديثنا عبر الكتاب المقدس عن عقوبة يأجوج ومأجوج
بكونهم سيصنع منهم مأدبة يأكل منها الطيور الجارحة والوحوش الكاسرة ثم تحولت هذه الاستعارة الى حقيقة ستقع بشكل حرفي في اخر الزمن وهو ما انشط الخيال الروائي فرسم شعب يأجوج ومأجوج بما يتناسب وهذا التصوير الاستعاري.
ولما كان ذلك غير ممكن في الحياة الطبيعية اجل الى ما قبل القيامة وأضيف اليه ما يتوافق معه من مشاهد خارقة مثل التقام الأشجار وشرب الأنهار
بل ان المسلمين قد أضافوا الى الوحوش الكاسرة والطيور الجارحة ما عندهم من الانعام فصارت تأكل لحوم البشر وتسمن منها دون ان تتغير أجهزتها الهضمية وأسنانها واضلافها
وهو ما يبين الأصل الكتابي الاستعاري للقصة الاسلامية المأخوذة بحرفية غير منطقية من الكتاب المقدس